السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
**********************
إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعدُ: فَإِنَّ خَيرَ الكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيرَ الهَديِ هَديُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحدَثَاتُهَا؛ وَكُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَةٌ، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ و بعد:
فقد شرع الله الزواج، وجعله شعيرة من شعائر دينه الحنيف الذي ارتضاه لعباده، وحثهم عليه ورغبهم فيه، وكذلك دعا إليه الرسول الكريم بسنته القولية والعملية، ودعا القرآن والسنة الشباب والرجال إليه فحثهم عليه، وحث أولياء المرأة على تزويجها الكفء الكريم وعدم عضلها وتأخير نكاحها
قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)(النساء: من الآية3)، وقال سبحانه: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32)، وقال (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)(النساء: من الآية25)
وقال صلى الله عليه وسلم: [يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء].
وفي صحيح البخاري وغيره: [إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض]
- لكن إن لم ترضى المرأة الزواج فهل لوليها أن يكرهها على الزواج ؟
السؤال
ما حكم الدين في عقد الزواج عندما أخبرت العروس عريسها في يوم الزفاف أنها لم توكل أحدا في زواجها بالموافقة، وأنها رافضة
للزواج منه، مع العلم بأن زواجها تم بموافقة والدها فقط، وهي رافضة لهذا الزواج. أفيدونا أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحق للأب أن يزوج ابنته الصغيرة غير البالغة بغير إذنها بالاتفاق، إلا خلافا ضعيفا حكاه العلماء عن ابن شبرمة أنه لا يحق للأب
أن يزوج ابنته التي لا توطأ، وحكى ابن حزم عنه أنه لا يزوجها حتى تبلغ، وزعم أن زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعائشة وهي صغيرة أنه من خصائصه، قال الشوكاني رحمه الله: ويقابله أي يقابل قول ابن شبرمة تجويز الحسن والنخعي للأب
أن يجبر ابنته كبيرة كانت أو صغيرة، بكرا كانت أو ثيبا. اهـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالمرأة لا ينبغي لأحد أن يزوجها إلا بإذنها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كرهت
لم تجبر على النكاح إلا الصغيرة البكر، فإن أباها يزوجها ولا إذن لها، وأما البالغ الثيب، فلا يجوز تزويجها بغير إذنها، لا للأب ولا
لغيره بإجماع المسلمين، وكذلك البكر البالغ ليس لغير الأب والجد تزويجها بدون إذنها بإجماع المسلمين، فأما الأب والجد، فينبغي
لهما استئذانها، واختلف العلماء في استئذانها هل واجب أو مستحب؟ والصحيح أنه واجب. ويجب على ولي المرأة أن يتقي الله
فيمن يزوجها به، وينظر في الزوج هل هو كفؤ أو غير كفؤ؟ فإنه إنما يزوجها لمصلحتها لا لمصلحته، وليس له أن يزوجها بزوج
ناقص لغرض له.
وعليه، فإذا كانت هذه الفتاة بكرا غير بالغة فلا شيء في نكاحها دون إذنها، وأما إذا كانت ثيبا، فنكاحها باطل، وأما إذا كانت بكرا
بالغة فقد اختلف أهل العلم هل لأبيها أجبارها أم لا؟ قال الشوكاني: وظاهر أحاديث الباب أن البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم
يصح العقد، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم.
وذهب مالك والشافعي والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان.
والذي يسنده الدليل هو القول الأول.
وقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله علنهما أن جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت
أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر
حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت. فدل على أنه لا بد من إذن البكر، وأنه يكفي سكوتها لشدة حيائها.
وبناء على ما تقدم عندنا أنه هو الراجح، فإذا كانت المرأة المذكورة في السؤال قد استئذنت فصرحت بالقبول إن كانت ثيبا،
أو سكتت إذا كانت بكرا، فإن النكاح صحيح ولا يحق لها الآن المطالبة بفسخه، وإن ثبت أن الأمر على خلاف ذلك، فإنها تخير بين
إمضاء الزواج وفسخه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالجارية في الحديث السابق، وللمرأة أن ترفع أمرها إلى المحاكم
الشرعية للنظر فيما وقع عليها من الظلم ورفعه عنها.
والله أعلم.
قال الشيخ / عبد العزيز بن باز ، مجموع فتاوى بن باز (20 / 409)
س : إن والدي عقد نكاح شقيقتي البالغة من العمر ست عشرة سنة إجباريا على رجل لا ترغبه ، وأنها تحاول قتل نفسها بكل طريقة وتقول الموت أحب إلي منه .
ج : مثل هذا الزواج منكر لا يجوز ولا يصح في أصح أقوال العلماء ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم « نهى عن تزويج النساء إلا بإذنهن » وأخبر أن البكر إذنها سكوتها ، ولما أخبرته صلى الله عليه وسلم جارية أن أباها زوجها وهي كارهة خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين البقاء معه أو الترك ، وما اعتاده بعض البادية وغيرهم من تزويج الأبكار دون مشاورتهن فهي عادة سيئة باطلة ، والغصب لا يأتي بخير ، بل يضر الجميع . والذي أرى أن توسطوا أهل الخير في فسخ هذا النكاح ، فإن أجدت الوساطة فذلك المطلوب وإلا فاعرضوا الموضوع على المحكمة وهي إن شاء الله تحل المشكل ، وفق الله الجميع